"الكوليرا لا ترحم".. السودان يواجه الوباء في قلب أزمة إنسانية متفاقمة
"الكوليرا لا ترحم".. السودان يواجه الوباء في قلب أزمة إنسانية متفاقمة
في خِضَم الصراع الدامي والانهيار المتسارع للبنى التحتية، يواجه السودان واحدة من أسوأ موجات الكوليرا التي عرفها في تاريخه الحديث، حيث أودى المرض بحياة الآلاف وتسلل إلى كل بقعة من بقاع البلاد تقريبًا.
تفشى الوباء في بيئة تمزقها الحرب وتعاني من نزوح جماعي وانهيار خدمات المياه والصرف الصحي، ما حول الكوليرا من مرض قابل للسيطرة إلى تهديد قاتل يفتك بالفئات الأكثر هشاشة، وخاصة في ولايات دارفور وكردفان.
ووفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، أصيب أكثر من 87 ألف شخص بالكوليرا حتى 11 يوليو الجاري، وبلغ عدد الوفيات 2,260 حالة، بمعدل إماتة بلغ 2.6%، ما يعكس حجم الكارثة الصحية التي تتعمق يومًا بعد يوم.
وفي ما تسجل ولاية الخرطوم بعض الانفراج بعد حملة تطعيم ناجحة، تواصل بقية الولايات معركتها غير المتكافئة مع الوباء وسط نقص الإمدادات الطبية، وصعوبة الوصول إلى المتضررين، وتردي الأوضاع الأمنية.
اللقاحات والدعم الطبي
في هذا السياق الإنساني الكارثي، تتحرك منظمات أممية مثل منظمة الصحة العالمية واليونيسف بأقصى طاقتها لإيصال اللقاحات والدعم الطبي، في سباق مع الزمن لاحتواء المرض، وسط ظروف ميدانية خطيرة وتحديات لوجستية هائلة.
وبينما تُبذل جهود للتطعيم وتوسيع التغطية، يبقى خطر الكوليرا مرهونًا بمدى القدرة على وقف النزوح، وضمان الوصول إلى المياه النقية، وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية المنهارة.
التقرير التالي يرصد أبعاد الكارثة الصحية، ويركز على التحديات الإنسانية التي تواجه السكان في المناطق المتأثرة، لا سيما في ظل انقطاع الكهرباء، وانعدام الأدوية، وتدمير البنية التحتية بفعل القتال، في بلد باتت فيه الكوليرا وجهًا آخر للفقد والموت اليومي.
تطعيم 2.24 مليون شخص
سجّلت ولاية الخرطوم تحوّلًا إيجابيًا بعد حملة تطعيم ضد الكوليرا استهدفت 2.24 مليون شخص (تغطية 96%)، إلى جانب إجراءات تحسين المياه والصرف الصحي، وانخفضت الإصابات اليومية من نحو 1,500 إلى 10–11 حالة.
وأَثبتت الفاشية انتشارها في 17 من 18 ولاية، بتركيز خاص في دارفور وكردفان، التي تعاني من ضعف خدمات المياه والنظافة الصحية، ونقص في الإمدادات الطبية.
سجل الأطفال إحساسات مقلقة، حيث أصيب أكثر من 19,000 حالة في الخرطوم، منها 1,700 طفل دون الخامسة ، بحسب الأمم المتحدة.
ويزداد سوء التغذية في مناطق النزاع، مثل شمال دارفور، ما يؤثر على قدرتهم في مقاومة المرض.
وكشفت اليونيسف عن ضعف الوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي، لتصبح صحة الأطفال معرضة لمضاعفات الكوليرا بشكل أكبر.
الاستجابة الإنسانية
تنفذ اليونيسف وشركاؤها (منظمة الصحة العالمية، الاتحاد الدولي للصليب الأحمر) حملات تطعيم وفرت 7.6 مليون جرعة لقاح بنهاية يوليو الجاري في الخرطوم والمناطق المتضررة، كما وصلت إلى ولايات إضافية جرعات تطعيم تفاعلية تغطي أقضية في أربع ولايات أخرى.
وفعّلت فرق المياه والنظافة الصحية برامج توزيع معقمات ومستلزمات نظافة، ما ساعد مليوني شخص، بينهم 108,000 خلال أسبوعين فقط في يونيو، على تعزيز الوقاية ضد المرض ، بحسب اليونيسف.
كما جرى تحسين شبكة المياه في بعض المحليات، رغم استمرار هشاشة البنية التحتية.
تحديات الإمداد
لا تزال محافظات النزاع متأثرة بانقطاع التيار الكهربائي والبنى التحتية، ما يصعّد من تفشي الكوليرا بعد هجمات طائرات مسيرة.
وأشار ممثل منظمة الصحة العالمية بأن حملات التطعيم عرقلت بسبب صعوبات دخول الإمدادات إلى دارفور وكردفان، في حين يعملون على إرسال الإمدادات عبر الحدود من تشاد وجنوب السودان.
وحذّرت أدوات التنسيق الدولية مثل أوتشا من ازدياد خطر انعدام المياه لأكثر من 80% من ذوي الإعاقة وكبار السن، ولكن الانعكاسات هناك لا تزال مهمة للإنسانية العالمية.